قصة مصباح الشارع القديم

في شارع مزدحم وفي زاوية هادئة كنت أقف أنا كمصباح قديم في شارع قديم، لطالما وقفت هنا لسنوات، أشاهد كل شيء يمر بجواري، الناس والزمان يمران بجواري و أنا واقف منتصب في مكاني، وعلي مر الزمان رأيت أشياء كثيرة جداً، فرح شديد وسعادة غامرة وبعض أنواع الحزن قد مر من أمامي.

لطالما لعب الأطفال بالقرب مني وقراءوا الكتب تحت ضوئي الدافيء، وكان يتقابل الأصدقاء تحتي بعد سنوات طويلة من الغياب. وحينما كان السيرك في المدينة وعمت السعادة أرجاء الشارع الذي أتواجد فيه، قدمت فجأة فتاة تغني وهي ترقص تحت ضوئي المتوهج. كان يبدوا وكأنها ترقص من أجلي أنا فقط.

وذات يوم قدمت بصحبة شخص ما، كانت ترقص بينما هو يلعب الجيتار ورقصا معاً واستمتعا كثيراً، وقبل أن يغادرا قدم لها خاتما جميلا وطلب منها الزواج. صرخت الفتاة بصوت عال وقالت “نعم..نعم..”، لم أرها ترقص بالقرب مني مرة أخرى بعد تلك الليلة…
أسمع الناس يقولون بأن وقتي قد حل وأنه سيتم استبدالي قريباً بمصباح جديد أكثر شباباً مني، وكم أتمني أن يكون كل ذالك الكلام مجرد اشاعات.

– ذات يوم سمعت صاحب البيت الذي أنا بجوار بيته يقول لزوجته “أخشي يا عزيزتي أنه حان الوقت لنقوم بإستبداله، أصبح الناس اليوم يستخدمون المصابيح الغازيه”
– ردت عليه الزوجة قائلةً بشفقة ” لا بد من أن هناك شيئاً يمكننا فعله من أجل مصباحنا القديم، لطالما كان معنا طوال هذا الوقت، انه واحد من عائلتنا، مالذي سيحدث له الآن ؟”
– ردعليها الزوج” حسناً…يؤسفني أني لا أعرف، ربما يقومون بتدوره مرةً أخري، لشيء آخر جديد ولامع”
-ردت عليه زوجتة ” لا أريده أن يتحول لشيء آخر، أريده أن يكون كما هو الآن، أليس هناك شيء يمكننا فعله ؟”
– رد عليها ” دعيني أرى ما الذي يمكنني فعله، لربما يمكنني اقناعهم، ولكن لن أعدك بأي شيء، ولكني سابذل قصاري جهدي “

قلت في نفسي، سيحاول ! هل هناك أمل ؟. قال بأنه سيحاول أن يبقيني كما أنا، فليباركه الله، ان ذالك الرجل وزوجته لديهما قلب في حجم القمر، علي كلٍ لا زال لدي فرصة.

وفي الليلة التاليه، قدمت الزوجة الي قائلةً ” صديقي القديم، كم احبك! لطالما كنت تقف هنا ليل نهار، في الفرح والحزن، في الحرب والسلم، ولا زلت تقف هنا بشموخ، لازلت تضيء طريقنا، وتشاركنا ضوءك الدافيء، كيف لنا أن ندعك تذهب بعيداً عنا! أنت جزء من قلوبنا بل وأرواحنا.
سمعها الزوج وخرج من المنزل قائلاً ” عزيزتي..أنا آسف، لكن لدي أخبار سيئة، لم أتمكن من اقناعهم في إبقائه هنا، لقد أمرورا بنقله صباح الغد، هذه الليلة ستكون ليلته الآخيرة هنا.

بعد سماعي لهذه المحادثه بين الزوجين قلت في نفسي هذا ليس عدلاً، كان لدي أمل، والآن ليس لدي شيء. يبدو أنها نهايتي، وفجأة…سمعت صوتاً غريباً يقول لي ” عن أي نهاية تتحدث، ليس هناك نهاية ولا حتي بداية، نحن خالدون يا صديقي العزيز، ليس هناك ما تقلق بشأنه أبداً، بالنسبة لك ولي و لكل من نشأ تحت ضوءك، كل هؤلاء لن ينسوك أبداً ولن تغيب عن أفكارهم وهلةً واحده. ستعيش بداخلهم للأبد.
وأكمل كلامه قائلاً ” لا تقلق، سأمنحك هدية، سأمحو ذاكرتك لكي تنسي ذكرياتك عن هذا المكان لكي لا تشعر بألم التذكر، هل هذه هدية جيدة لك؟” -أجبته “يا لها من هدية سخية ستقدمها لصديقك”

– وفجاةً أطل علينا القمر بروعته وجماله قائلاً ” هل ستنساني أنا أيضا يا صديقي، أنا القمر صديقك القديم، أنا وانت متشابهان جدا، فنحن نفعل نفس الشيء لكثير من الناس حول العالم، فنحن نضيء طريقهم في الظلام. ولدي هدية مدهشة لك وهما صديقين من أصدقائنا، السحاب والنجوم.

– بدأت السحابة بالحديث قائلةً ” اهلا صديقي المصباح، لقد أحببت جداً رؤيتك كل يوم تضيء للآخرين طريقهم وهديتي لك هي هذه القطرات من المطر لتجعلك تشعر بالأنتعاش وتذهب بدموعك بعيداً…أجبتهم جميعاً “شكراً جزيلاً لكم أصدقائي، كان هذا لطفاً منكم أحببت كل ما قدمتموه لي، فشكراً لكم علي هذا.

مر الليل سريعاً وفي الليلة التالية قدم الزوج وقال ” حان الوقت”.. وبدأ باطفاء شعلتي وشعرت بأني أنسحب رويداً رويداً حتي وجدت نفسي فجأةً في منزل ما، وفجأة وجدت الزوجة متوجةً نحوي وهي تقول بابتسامة ” هل تعتقد أني سأنساك، كيف ستكون حياتي من دونك ! ” ..وهكذا أكملت بقية حياتي داخل المنزل أضيء لهم وأقوم علي تدفئتهم