نحكي لكم أصدقائي من خلال موسوعة قصص وحكايات قصص أطفال مكتوبة 2019 حصرية كل يوم، وقصتنا لهذا اليوم بعنوان “رائد بطل الركض” نتمنى أن تنال إعجابكم وللمزيد دائماً من الحكايات الرائعة والشيقة زورونا على قسم: قصص وعبر .

قصص أطفال مكتوبة .. رائد بطل الركض

نظر رائد من كرسيه إلى الخارج عبر زجاج النافذة، فإذا السماء زرقاء صافية، والشمس ترسل شعاعها ودفئها على الكون، فتملكه شعور بالضيق خلافاً لجميع الناس الذين يفرحهم الطقس الصحو الجميل من أيام الشتاء الغائمة الباردة، وهذا شأن رائد، الأشهر الثلاثة الأخيرة. قبلها كان الصبي ممتلئاً حيوية وعافية… فهو بطل الركض في مدرسته، ومحط إعجاب معلميه وتقديرهم …

لأنه فضلاً عن تفوقه في الركض، كان من البارزين في صفه … كل هذا مما أرضى كبرياء رائد وعزز عنفوانه… إلى أن تعرض قبل أشهر لحادث من انواع السيارات ، لطمته بعنف وحطمت ساقه اليمنى… وبعد معالجته في المستشفى وضعت ساقه في قالب سميك من الجبس مدّة شهر… ولما أزيل هذا الشيء الثقيل الرّابض على ساقه خضع لجلسات طويلة من التدليك… وانتهى إلى كرسيه، يستقبل زملاءه في المدرسة، وصبيان الحي والأهل… هؤلاء جزعوا للحادث الذي أصاب رائدا، وعبروا عن تمنياتهم القلبية بشفائه ليعود إلى نشاطه وحيويته ويفوز في سباق الركض فيصفق له الجمهور ويهتفون…

لكن رائدا كان ضعيف الإيمان قليل الثقة بنفسه، لا يصدق بأنه قد يستعيد قوة عضلات ساقه، على نحو مضى، كان يقضي الساعات يحلم ويفكر. وتطغى الأفكار السوداء على البيضاء. وكلما زاره رفقاؤه تحشروا على وضعه … حتى إذا انصرفوا عاد الى كآبته وصمته. وكثيرا ما غلبته الدموع فأجهش في البكاء… لم ينفع معه تأكيد طبيبه ووالديه بأن ساقه لا تلبث أن تسترجع قوتها السابقة، وأن كل شيء سيعود مع التدليك المتواصل والوقت إلى حالته الأولى … لكن من أين لرائد أن يقتنع؟

مرة استجمع قواه وحاول أن يقف، فخانته ساقه المعطوبة وسقط على الأرض … فتناهض يلملم أوجاعه … ومرت أيام قبل أن يتشجع للقيام بمحاولة ثانية، فكانت النتيجة نفسها وقع على أرض الغرفة وكتم دموعه حتى إذا دخلت عليه أمه تحمل له كوب عصير، صاح بانفعال شديد، بين الحسرات والدموع: لا جدوى لا جدوى.. لن أقوى على المشي، ولا على العودة إلى المدرسة، والى كل نشاطاتي السابقة … وبخاصة الركض!… لا يا ولدي عارضته أمّه، بل ستقوم بإذن الله، وتسترجع قدرتك على السير… وعلى الركض أيضاً…

لكن رائدا، كان يسد أذنيه عن سماع مثل هذه الكلمات، سواء صدرت عن أمه، أو أبيه، أو الطبيب…
وبعد تجربتيه الفاشلتين، لم يعد رائد ثانية الى المشي، وصار يكتفي بالجلوس في كرسيه، ينتظر المعجزة تأتي من الخارج… لا من داخله كما أكد له الجميع… حتى كان يوم زارته فيه وحدها هنيدة زميلته في الصف…

وهنيدة فتاة ذكية وهادئة، وهي دائما الأولى في صفها… كان رائد ينافسها أحيانا في الرياضيات فتهنئه بابتسامتها الحلوة… أما هو، فكان في معظم الأحيان يغار من تفوقها عليه، ويشك في صدق تهنئتها إياه… وها هي الآن أمامه في الغرفة تصافحه بید مرتعشة، فتعلو وجهه حمرة شفّافة ويتساءل بحيرة: لماذا تزوره هنيدة وحدها… إنه حتما سعید بزيارتها… لكن هل عندها حقا سبب وجيه لهذه الزيارة؟ ودار بين الصبي والفتاة الحوار التالي:

هنيدة: منذ مدة وأنا أنتظر فرصة للتحدث إليك في أمر يهمك.. رائد : خير إن شاء الله! لعلك تشفقين علي كباقي الرفاق؟ هنيدة: أبدا… على العكس يا رائد. كم أنت واهم في هذا القول! رائد : ماذا عندك إذا، ما لم أسمعه من سواك؟ هنيدة: ربما تكون سمعت مرارا ما سأقوله لك الآن، غير أنك لم تستوعبه… أو لم ترد أن تصدقه وتعمل به… فهل تعدني بأن تصغي جيدا لما سأقوله ولا تهزأ به؟
رائد : (حسيئا، أعدك)، قالها بهدوء، وهو مطرق إلى الأرض مخافة أن يلتقي نظره بنظرها… صحيح أنه كان غالبا يغار من تفوق هنيدة ويشك في تهنئتها له، لكنه كان دائما يحترمها ويفضلها على جميع أولاد الصف… وها هي أمامه الآن وجها إلى وجه… وسمعها تقول: أنت عنيد ومكابر یا رائد مما جرّك إلى ما أنت عليه، من ضعف الثقة بنفسك وبما يقوله لك الطبيب والأهل والرفاق جميعاً، من أنك تستطيع استعادة قوة ساقك إذا ما حاولت استعمالها…

ومن قال لك إني لم أفعل؟، قاطعها رائد، لقد حاولت مرتين وفشلت… حاول ثلاثاً وأربعاً… وعشراً… وعشرين ومئة مرة!، قالت هنيدة بلهجة عالية وقد فتحت عينيها العسليتين على مداهما، فبدتا أجمل مما لاحظه رائد في الماضي… وصمت… صمت، تحت تأثیر نظراتها… ولهجتها… وإرادتها… وأكملت الفتاة كلامها: أعتقد أنك تعرف جيدا ماذا جئت لأقول لك… إنه لا يختلف كثيرا عن الكلام الذي سمعته من سواي، إنما تنقصه إرادتك وتصميمك على الأخذ به… وأنا على يقين بأنك لن تظل بعد اليوم، قابعاً في كرسيك مستسلما لمشاعر الضيق واليأس… أفرغت هنيدة كلماتها النارية وخرجت دون أن تنتظر جواباً… وفي طريقها إلى البيت شعرت بأنها نجحت في المهمة التي جاءت من أجلها…

أمّا رائد فبقي غارقاً في صمته، وشاخصاً إلى البعيد. وكأن (موجة كهربائية) عصفت به وهزته من رأسه إلى أخمص قدميه… بعد لحظات شعر بالارتياح، كما لو كان تائها واهتدى أو غريقاً ونجا!… لكم كان بحاجة إلى من يؤبه كما فعلت هنيدة ليعود إلى صوابه ويكف عن الإمعان في تعذيب نفسه، بعد أن تأكد رائد من أنه وحده في البيت، نهض بعصبية عن كرسيه، وهذه المرة بلا خوف تقدم الى الأمام… خطوة أولى… فثانية… فثالثة… كان متمسكا بحافة السرير، لكن المدهش أنه لم يسقط إلى الأرض! … ما الذي فعلته له هنيدة؟ هل منحته قوة من شخصيتها، وإرادة صلبة من إرادتها؟ هل صحيح أن العلة في الأصل تكمن في نفسه، في داخله وأنه الآن ارتضى أن يزيح الغشاوة عن بصره ويرى الأشياء كما هي؟ …

رفع رائد يده عن حافة السرير وسحب نفساً عميقاً، أحس معه أن الحرارة تغمر جسمه وتمحو الرجفة الباردة التي استبدت بأطرافه وحدت من شجاعته وثقته بنفسه… ومشى… مشى إلى الباب فأغلقه وراح يذرع الغرفة ذهاباً وإياباً. أولاً بقليل من التلكّؤ… ثم صار يسرع شيئا فشيئا، كعصفور أفلت من قفصه… مشي، وهو لا يأبه لتصبب العرق على جبينه ووجهه نتيجة الجهد الذي بذله… وخطر له أن يفاجيء أمه لدى عودتها من الخارج فمسح عرقه بالمنشفة وارتدي معطفاً يقيه من البرد، وطلع الى فناء الدار لأول مرة منذ ثلاثة أشهر… وهناك استأنف عملية سيره ذهاباً واياباً، وهو ثابت القدمين وعالي الرأس وقلبه يرقص فرحاً في صدره…

تأخُّر أم رائد في العودة الى البيت أتاح له متابعة التفكير: مشكلته إذن لم تكن مستعصية كما توهم، بدليل أنها حلت دفعة واحدة … وعقدته… فكّتها له هنيدة، ونفحته بشحنة من شخصيتها الطيبة…
قريبا سيعود إلى المدرسة والى الدروس التي فاتته… ومن الآن وحتى موعد سباق الضاحية في الربيع، من يدري… ربّما استطاع مجددا الفوز ببطولة الركض!!